في ظل التطور السريع الذي يشهده قطاع الرعاية الصحية في العالم، لم يعد الحصول على الخدمات الطبية المتقدمة مقصورًا على المستشفيات والمراكز الثابتة، بل أصبح بالإمكان وصول التكنولوجيا الطبية الحديثة إلى أي مكان بفضل ظهور مركز أشعة متنقل، وهو ابتكار غيّر مفهوم تقديم خدمات الأشعة والتصوير الطبي، وساهم في تحسين جودة الرعاية الصحية وسرعة التشخيص في مختلف البيئات.
مركز أشعة متنقل هو وحدة طبية متكاملة مجهزة بأحدث أجهزة الأشعة الرقمية، يمكن نقلها إلى مواقع مختلفة لتقديم خدمات التصوير الطبي في المناطق النائية، أو للمستشفيات والمراكز الطبية التي تعاني من ضغط في قسم الأشعة، أو حتى في حالات الطوارئ والحروب والكوارث.
تُثبت هذه المراكز عادة داخل سيارات خاصة أو شاحنات صغيرة مصممة بطريقة تضمن ثبات الأجهزة وحمايتها من الصدمات، مع توفير بيئة معقمة ومجهزة بجميع وسائل السلامة والراحة للمرضى والفنيين.
تكمُن أهمية هذه المراكز في قدرتها على سد الفجوة بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية أو النائية التي قد تفتقر إلى بنية تحتية طبية متطورة. ففي كثير من الدول، يواجه المرضى في القرى أو الصحارى أو المناطق الجبلية صعوبات كبيرة في الوصول إلى المستشفيات المتخصصة لإجراء فحوص الأشعة. وهنا يأتي دور المركز المتنقل ليكون حلاً عمليًا وفعالًا، إذ يذهب إلى المريض بدلًا من أن يضطر المريض للذهاب إليه.
إضافة إلى ذلك، تساهم هذه المراكز في تقليل قوائم الانتظار داخل المستشفيات، إذ يمكن إرسال وحدة متنقلة إلى مستشفى مزدحم لإجراء فحوص الأشعة للمرضى مباشرة في موقعهم، مما يخفف العبء على الأقسام الداخلية ويوفر الوقت والجهد.
تختلف تجهيزات المراكز المتنقلة حسب الغرض منها، ولكن غالبًا ما تشمل:
أجهزة الأشعة السينية (X-Ray): تستخدم لتصوير العظام والصدر والمناطق الداخلية من الجسم للكشف عن الكسور أو الالتهابات أو الأورام.
أجهزة الأشعة المقطعية (CT Scan): توفر صورًا ثلاثية الأبعاد للأعضاء الداخلية، وتساعد في تشخيص الأورام والإصابات الدقيقة.
أجهزة الموجات فوق الصوتية (Ultrasound): تُستخدم لفحص الأعضاء الداخلية، ومتابعة الحمل، وتشخيص أمراض البطن والقلب.
أجهزة الرنين المغناطيسي (MRI): رغم أن نقلها أكثر تعقيدًا نظرًا لحجمها واحتياجاتها الخاصة، إلا أن بعض الشركات نجحت في تصميم وحدات متنقلة منها لخدمة المناطق الكبرى.
من الناحية الاقتصادية، تعتبر فكرة المركز المتنقل للأشعة حلاً ذكيًا للمؤسسات الصحية الصغيرة أو الناشئة التي لا تستطيع تحمل تكلفة إنشاء قسم أشعة ثابت مزود بأجهزة باهظة الثمن. يمكنها بدلاً من ذلك استئجار خدمة مركز أشعة متنقل بشكل دوري، مما يقلل من النفقات التشغيلية دون التنازل عن جودة الخدمة.
أما من ناحية التشغيل، فإن هذه المراكز توفر مرونة كبيرة في توزيع الخدمات الطبية، إذ يمكن جدولة زياراتها لمناطق محددة وفق الحاجة، أو إرسالها إلى مواقع المشاريع الكبرى مثل مواقع البناء أو شركات النفط لتقديم الفحوص الدورية للعاملين.
تُعد هذه المراكز من الركائز الأساسية في إدارة الكوارث الطبيعية والحوادث الكبرى، حيث يمكن نشرها بسرعة في مواقع الانفجارات أو الزلازل أو الحروب لتشخيص الإصابات الخطيرة على الفور.
ففي تلك الحالات، يكون الوقت عنصرًا حاسمًا، والمستشفيات القريبة قد تكون مكتظة أو متضررة، لذا تُمكّن المراكز المتنقلة فرق الإنقاذ من تقديم الرعاية العاجلة وإنقاذ الأرواح في الوقت المناسب.
رغم الفوائد العديدة، هناك تحديات تواجه تشغيل هذه المراكز، من أهمها:
تكلفة الصيانة والتشغيل: تتطلب الأجهزة عناية دورية دقيقة للحفاظ على دقتها وسلامتها أثناء النقل.
توفير طاقة كهربائية مستقرة: تحتاج الأجهزة إلى طاقة قوية وثابتة، مما يستلزم مولدات احتياطية عالية الكفاءة.
تدريب الكادر الطبي: يجب أن يكون الفريق الطبي والفني قادرًا على التعامل مع الأجهزة في ظروف ميدانية مختلفة.
الحفاظ على جودة الصور: الاهتزازات أثناء النقل قد تؤثر على جودة الأجهزة إذا لم تُثبت بطريقة احترافية.
لقد ساهم التحول الرقمي والاتصال عبر الإنترنت في تعزيز فعالية المراكز المتنقلة، إذ أصبح بالإمكان إرسال صور الأشعة فورًا إلى الأطباء في أي مكان عبر أنظمة الاتصال الطبي (PACS).
وبذلك يمكن للطبيب المختص قراءة الأشعة وتشخيص الحالة لحظيًا، حتى وإن كان على بُعد مئات الكيلومترات، مما يجعل الخدمة أكثر تكاملًا وسرعة.
يتوقع الخبراء أن يشهد المستقبل انتشارًا أوسع لمفهوم المراكز المتنقلة، خاصة مع ازدياد الطلب على خدمات الرعاية المنزلية. فقد تتطور هذه الوحدات لتصبح جزءًا من منظومة "الرعاية عن بُعد"، بحيث يمكن إرسال وحدة أشعة إلى منزل المريض، مع التواصل الفوري عبر الإنترنت مع الطبيب لتفسير النتائج.
كما قد تُدمج هذه المراكز مع تقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم تقارير أولية فورية، مما يقلل من عبء العمل على الأطباء ويُسرّع عملية التشخيص.
إن مركز أشعة متنقل يمثل نقلة نوعية في مفهوم الرعاية الصحية الحديثة، فهو يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة وسهولة الوصول إلى الخدمة. بفضل هذه المراكز، لم يعد المريض بحاجة إلى السفر لمسافات طويلة لإجراء فحص بسيط، بل يمكن أن تأتي الخدمة إليه حيثما كان.
ومع استمرار التطور في مجالات الأجهزة الطبية والاتصال الرقمي، يبدو أن هذه المراكز ستكون جزءًا أساسيًا من مستقبل الطب الذكي، ووسيلة فعالة لتحقيق العدالة الصحية والوصول الشامل إلى الخدمات الطبية في كل مكان.
تعليقات